لا تبادر بالمخاصمة
قال ابن الجوزي :
من البَلَهِ أن تبادر عدواً أو حسوداً بالمخاصمة، وإنما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما، إن اعتذر قبلت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب. ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، فإذا أردت أن تؤذيه فأول ما تؤذيه به إصلاحك لنفسك، واجتهادك في علاج ما يعرفك به. ومن أعظم العقوبة له العفو عنه لله.
وإن بالغ في السب فبالغ في الصفح، تُنِبْ عنك العوام في شتمه، ويحمدك العلماء على حلمك.
وما تؤذيه به من ذلك، وتورثه به الكَمَد ظاهراً، وغيره في الباطن أضعاف، خير مما تؤذيه به من كلمة إذا قلتها له سمعت أضعافها.
ثم بالخصومة تعلمه أنك عدوه، فيأخذ الحذر ويبسط اللسان، وبالصفح يجهل مما في باطنك، فيمكنك حينئذ أن تشتفي منه، إما أن تلقاه بما يؤذي دينك فيكون هو الذي قد اشتفى منك.
وما ظفر قط من ظفر به الإثم، بل الصفح الجميل.
وإنما يقع هذا ممن يرى أن تسليطه عليه إما عقوبة لذنب، أو لرفع درجة بالابتلاء، فهو لا يرى الخصم، وإنما يرى القدرة.
ملاحظات:
الطبعة الأولى 2003، دار ابن حزم .
الصفحتين 252 و 253.
لا توجد تعليقات بعد
كن أول من يعلق!