الراحة في معرفة الله
قال ابن الجوزي :
رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عزوجل، والإقبال على الدنيا. وكلما فات منها شيء وقع الغم لفواته.
فأما من رزق معرفة الله استراح، لأنه يستغني بالرضا بالقضاء، فمهما قدر له رضي.
وإن دعا فلم ير أثر الإجابة لم يختلج في قلبه اعتراض، لأنه مملوك مدَبَّر. فتكون همته في خدمة الخالق. ومَن هذه صفته لا يؤثر جمع مال، ولا مخالطة الخلق، ولا الالتذاذ بالشهوات. لأنه إما أن يكون مقصرا في المعرفة، فهو مقبل على التعبد المحض، يزهد في الفاني لينال الباقي. وإما أن يكون له ذوق في المعرفة، فإنه مشغول عن الكل بصاحب الكل، فتراه متأدبا في الخلوة به، مستأنسا بمناجاته، مستوحشا من مخالطة خلقه، راضيا بما يقدر به.
فعيشه معه كعيش محب قد خلا بحبيبه، لا يريد سواه، ولا يهتم بغيره.
فأما من لم يرزق هذه الأشياء، فإنه لا يزال في تنغيص متكدر العيش، لأن الذي يطلبه من الدنيا لا يقدر عليه، فيبقى أبدا في الحسرات، مع ما يفوته من الآخرة بسوء المعاملة. نسأل الله عزوجل أن يستصلحنا له، فإنه لا حول ولاقوة إلا به.
ملاحظات:
الطبعة الأولى 2003، دار ابن حزم .
الصفحة 245.
لا توجد تعليقات بعد
كن أول من يعلق!