اقتباسات من كلام ابن الجوزي

لا تبادر بالمخاصمة

من البَلَهِ أن تبادر عدواً أو حسوداً بالمخاصمة، وإنما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما، إن اعتذر قبلت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب. ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، فإذا أردت أن تؤذيه فأول ما تؤذيه به إصلاحك لنفسك، واجتهادك في علاج ما يعرفك به. ومن أعظم العقوبة له العفو عنه لله. وإن بالغ في السب فبالغ في الصفح، تُنِبْ عنك العوام في شتمه، ويحمدك العلماء على حلمك. وما تؤذيه به من ذلك، وتورثه به الكَمَد ظاهراً، وغيره في الباطن أضعاف، خير مما تؤذيه به من كلمة إذا قلتها له سمعت أضعافها. ثم بالخصومة تعلمه أنك عدوه، فيأخذ الحذر ويبسط اللسان، وبالصفح يجهل مما في باطنك، فيمكنك حينئذ أن تشتفي منه، إما أن تلقاه بما يؤذي دينك فيكون هو الذي قد اشتفى منك. وما ظفر قط من ظفر به الإثم، بل الصفح الجميل. وإنما يقع هذا ممن يرى أن تسليطه عليه إما عقوبة لذنب، أو لرفع درجة بالابتلاء، فهو لا يرى الخصم، وإنما يرى القدرة.

صيد الخاطر المجلد 1صفحة 252 إلى 253
نصائحوعظآداب
الراحة في معرفة الله

رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عزوجل، والإقبال على الدنيا. وكلما فات منها شيء وقع الغم لفواته. فأما من رزق معرفة الله استراح، لأنه يستغني بالرضا بالقضاء، فمهما قدر له رضي. وإن دعا فلم ير أثر الإجابة لم يختلج في قلبه اعتراض، لأنه مملوك مدَبَّر. فتكون همته في خدمة الخالق. ومَن هذه صفته لا يؤثر جمع مال، ولا مخالطة الخلق، ولا الالتذاذ بالشهوات. لأنه إما أن يكون مقصرا في المعرفة، فهو مقبل على التعبد المحض، يزهد في الفاني لينال الباقي. وإما أن يكون له ذوق في المعرفة، فإنه مشغول عن الكل بصاحب الكل، فتراه متأدبا في الخلوة به، مستأنسا بمناجاته، مستوحشا من مخالطة خلقه، راضيا بما يقدر به. فعيشه معه كعيش محب قد خلا بحبيبه، لا يريد سواه، ولا يهتم بغيره. فأما من لم يرزق هذه الأشياء، فإنه لا يزال في تنغيص متكدر العيش، لأن الذي يطلبه من الدنيا لا يقدر عليه، فيبقى أبدا في الحسرات، مع ما يفوته من الآخرة بسوء المعاملة. نسأل الله عزوجل أن يستصلحنا له، فإنه لا حول ولاقوة إلا به.

صيد الخاطر المجلد 1صفحة 245
الوعظالزهد
حدث خطأ في التطبيق. إعادة تحميل 🗙